الإثنين , 07 أكتوبر 2024 - 4 ربيع الثاني 1446 هـ 7:29 مساءً
الفاندال، القوط، الألمان، السويبيون ... يستمر الرومان في الصراع على مكانة الشعوب وأعراقهم في إمبراطوريتهم الكبيرة.
تكشف سلسلة من الحوادث الليلية الغريبة في غابات أوروبا الشمالية حوالي عام ٣٦٠ م، عن المخاطر التي واجهها الغرباء والأجانب في عالم كانت مسيطرة عليه روما القديمة.
منذ قرون، كانت العديد من القبائل العرقية -الألانيون والكوادي والماركومانيون والسويفيس والفاندال- تصف هذه الغابات بأنها موطنها الأصلي ومكان نشأتها، ولطالما كانت المنطقة الشرقية لنهر الراين وشمال نهر الدانوب مناطق غير خاضعة لحكم الإمبراطورية الرومانية، لكن ارتباط القبائل بتلك المناطق ومقاومتهم لاستخدام لغات البحر الأبيض المتوسط اللاتينية أو اليونانية، وميلهم لارتداء الملابس من جلود الحيوانات ظل يزعج النخب الكلاسيكية التي استخفت بهم جميعًا ووصفتهم (بالبرابرة) وكان ذلك حوالي عام ٣٦٠م ، حين حكم الرومان المنطقة حجة إبقاء الحدود آمنة، واختطفوا قبيلة الألمان -أحد القبائل التي سكنت المنطقة- وقتلوهم وأرهبوهم.
وعلى حدود الإمبراطورية الرومانية ساهمت مثل هذه العمليات العسكرية السرية -للقتلة الليليين الذين أُرسلوا لغزو أراضي تلك القبائل وكافأهم الرومان بسخاء بالجماجم- في تفشي التنميط العرقي بين الشعوب على الحدود، كما انتشرت التحيزات العرقية الثقافية بين المدنين قبل القرن الرابع وبعده.
وقد استدل الرومان بالعلوم الزائفة المتأصلة في عالمهم الكلاسيكي، السمات الشخصية من الموقع الجغرافي وتأثير النجوم، كما استحضر الكتاب اليونانيون واللاتينيون بسهولة صور الشماليّن، الذين ولدوا تحت نجم الدب الكبير والدب الصغير ووصفوهم بأنهم أصحاب شخصيات "فَظّة" جدًا ومُعادية للحضارة. يرى الجمهور الكلاسيكي الفاندال -جيران الألمان- أنهم شعوب عاجزة وجشعة وخونة، مع أن معظم سكان منطقة أشجار الزيتون الرحّل في البحر الأبيض المتوسط شُوّهت سمعتهم بعبارات مماثلة.
وبحلول أواخر القرن الرابع أصبحت أي مجموعة عرقية تنتقل إلى المدن الرومانية مثل القوط أو السكيثيين تُنعت بمسميات مثل "المخلوق ذو الأربعة أقدام"، وكانت هذه الممارسات شائعة بين كارهي الأجانب.
سيعيد الرومان المعاصرون إحياء حالة انعدام الجنسية لهولاء المهاجرين مع ازدهار أدب هوميروس ففي أوقات النزاع العصيبة هذه قال رجل دين مسيحي نقلًا عن الإلياذة: "كان المجتمع بحاجة إلى طرد هذه الكلاب الشريرة".
بالنظر إلى حجم امبراطورية روما التي عبرت ثلاث قارات ليس من المستغرب أن لا تتداخل مع حدود ما يقارب ٥٠ دولة حديثة، هذا لأن عدد الأعراق المذكور في المصادر القديمة كبير جدًا.
من الموري والجرمنتيين ومن حدود الإمبراطورية الصحرواية إلى السريشيان وغلاطية ومن دول البلقان وما وراءها، إلى المناطق الجبلية الداخلية في آسيا الصغرى حتى البالمرين والإيدوميين والأنباط القاطنين في صحراء روما البعيدة يوجد عشرات من المجموعات التي كان عندها عادات مميزة وسجل تاريخي وقصص عريقة ولغات ومعتقدات، وقد أصبح لهم سمات بارزة كالبارثيين الذين يرتدون البنطال، والفريجيون الذين يرتدون قبعاتٍ غريبة والثريشيين الذين لا يرتدون (التوجة) ولا السترة لأن أفضل لباسهم مصنوع من الجلد.
ومع ذلك حتى عندما أثارت هذه السمات الأجنبية سخريتهم، وفي أحيانٍ أخرى أثارت أعمال التقليديين العدوانية العنيفة -وهم في القرن الرابع نجحوا في إقناع روما وساستها بلبس التوجة والخفاف وحظر ارتداء الأحذية طويلة الرقبة والبناطيل في شوارعها- ازدهرت الثقافات الأجنبية وغيرت كل شيء بدءًا من الأصوات المسموعة في السوق المحلي وصولًا إلى أطباق الطعام المقدمة على المائدة.
فمع بدايات القرن الأول الميلادي، تنافست محاصيل التمر السوري والزيتون المصري على جذب انتباه الزبائن في الأسواق الإيطالية، لتصبح هذه المناطق وشعوبها منخرطة مع القوة الرومانية. ليتكرر المشهد عينه بعد مضي عدة قرون وإدراج محاصيل الكمثرى الفارسية في وصفة الجبن بالأعشاب الشهيرة، بينما كان النبيذ في العصور الكلاسيكية واسع الانتشار-حيث اُسْتُورِدَ إلى إيطاليا من مزارع الكروم البعيدة مثل غزة في القرن الخامس- كان معروفًا أيضًا أنه إذا أراد الروماني يومًا ما بديلًا منعشًا، يمكن أن يُلزم المصريين أو سكان لوسيتانيا، في البرتغال بتلبية ذلك له؛ لأن ثقافاتهم مشهورة بتخمير الشعير.
على ذلك سيكون من الخطأ التعامل مع التعصبات العرقية والسياسية، المؤطرة إلى حد كبير من حيث المناوشات مع 'البرابرة' في ساحة المعركة بنفس مخاوف القرن الرابع الفريد. إلا أن ظاهرة العرقيات كانت ظاهرة حقيقية في حياة المجتمع الروماني من بدايات السنوات الأولى للمدينة، فقد كانت بمثابة نظام ملكي في القرن الثامن قبل الميلاد، عندما بدأ الرومان لأول مرة تشكيل هوية متعددة الأعراق من خلال ارتباطاتهم الثقافية عبر شبه الجزيرة الإيطالية، من الأوسكان والسابيين والبيسكين، وأللغوريين والإتروسكان والأومبريين إلى بالطبع اللاتينيين المحليين في وسط إيطاليا -حوالي ٣٠ فردًا من القبائل سكنوا أعلى وأسفل شبه الجزيرة الإيطالية خلال هذه الحقبة المبكرة، واستمرت حتى سنوات تكوين روما لتصبح جمهورية، بعد ٢٠٠ عام.
كما قال الكاتب القديم (ديونيسيوس) من هاليكارناسوس: أن دراسة السكان لمدينة روما كانت عبارة عن تجمع متباين من متعددي الألوان من:الأوبيريين، والمارسيين والساونيين، والتيريرهينيين، والبريتنس أيضًا الأومبركيين والليغوريين والإيبيريين والسيلتس وغيرهم- 'بعضهم قادمين من إيطاليا نفسها والبعض الآخر من مناطق أخرى'.
لم يكن اسم هذه المجموعات هو ما تملكه فحسب، بل تداولت هذه المجموعات أساطيرها المشتركة وقصصها المبجلة في مواقع صناعة الفخار وفي أبيات الشعر كما استطاعوا من خلال تجوال أسلافهم وأصولهم الجغرافية، تحديد أراضيهم، وشجعوا على ممارساتهم الدينية الخاصة، والتحدث بلغاتهم وممارسة تقاليدهم، وعززوا من حس التضامن فيما بينهم، فكان سكان اليونان يستوردون من الموانئ التجارية الإيطالية مثل نابولي، والتي حافظت على بقاء اللغة والفن، والثقافة والتقاليد من المستعمرين اليونانيين الذين كانوا مستقرين في الأصل حول خليج نابولي، أما في جهة الشمال فقد قامت العائلات من الطبقة الراقية من إتروريا بعروض علنية لعبادتهم في مقدسات توسكانا المحلية، حيث تركوا تقديسهم في اللغة الأترورية إلى الآلهة الإتروسكانية على وجه التحديد. بحلول غزو رومانيا لمعظم شبه الجزيرة الإيطالية في بداية القرن الأول قبل الميلاد، جعلت هذه المجموعات وتقاليدها من الجمهورية الرومانية مجتمع متعدد الأعراق.
يعود أصل الشاعر اللاتيني الرائد (إنيوس) إلى إحدى تلك العائلات، التي كان مايزال تراثها المعقد معترف به على نطاق واسع من الرومان في فترة لاحقة. كما يذكر الكاتب الإمبراطوري (أولوس جيلوس) عن (إنيوس) وترديده أن فيه "ثلاثة قلوب"؛ لتحدثه ثلاث لغات: باليونانية والتوسكانية، واللاتينية، كان المؤرخون محظوظين؛ لما عندهم من ثاقب غير مباشر عن سنوات روما المظلمة في بدايتها ولا شك أن تجربة (إنيوس) لم تكن فريدة من نوعها؛ حيث أن روما تلك المدينة التي تقع فوق سبع تلال، كانت مجموعة من الجيران بأصولهم العرقية المختلفة: أوترسكان في الكايليين، والسابيين في الكويرينال. حافظت هذه الطرق الرئيسية التي ضخت الشعب لقلب المدينة مثل فايكس وتوكوس أو طريق توسكان،على شعور الناس الذين تميزوا بلغاتهم وعادات لباسهم التي امتدت للشوارع. وتميزت العاصمة في القرن الأول قبل الميلاد حسب ما وُصفت في إحدى كتب السياسة، 'بأنها تكتل للأعراق.
ولا محالة غالبًا من التساؤلات التي تلت ذلك حول الانتماء، والتي ظهرت في بعض فترات الاتصال الحادة بين الفئات المختلفة في الجمهورية. بعد الحروب مع قوات شمال أفريقيا قرطاج في القرن الثاني والثالث قبل الميلاد، على سبيل المثال: شهدت روما خسائر كارثية في ساحة المعركة، وتوسع إقليمي كبير داخل أفريقيا، فأصبحت الصورة النمطية للشعب القرطاجي المهزوم وأخطاؤهم المزعومة مألوفًة عند العديد من سكان إيطاليا. كما تضمنت هذه الممارسات كل شيء من الشتائم المتفرقة على يد كتاب لاتينيين كانوا يرون أنفسهم متفوقين ثقافيًا؛ فوجّهوا انتقاداتٍ شديدة للقرطاجيين نظرًا 'لتحايلهم' (كالديتاس) بينما أثنوا على مدى حكمة الرومان التي لا جدال فيها في تبني مجموعة من المستعمرين، وعلى الافتراضات الإمبريالية التي شقت طريقها إلى الواجبات المنزلية في المدرسة.
هل يجب تدمير قرطاج، أو تُسلم إلى القرطاجيين، أو هل يجب أن تنشأ مستعمرة هناك؟ كانت هذه السلسلة من أسئلة المقال توضيحًا ممتازًا يمثل حالة بلاغية متعددة الأوجه جمعت بين عدد من الأفكار الصعبة، ذكر( شيشرون) الذي لم يسبق له أبدًا مناقشة ما إذا كان قد طُلب من طلاب المدارس أو معلميهم التبرير، ناهيك عن الاعتراف بمنهج الفرضية العرقية.
انحدر المواطنون والأباطرة من أصول إقليمية تجاوزت التلال السبعة لنهر التايبر
أدرك الرومان خطر محاولة إجبار مجتمع فعال على العديد من العادات والخلفيات المتفاوتة، والذي تجلى أثناء رفضهم تطبيق لغة عالمية مثل اللاتينية ضمن مقاطعتهم العديدة. فعندما تكون (رومانيًا) يعني هذا قبول التعارض السليم بين مجموعة واسعة من الممارسات الثقافية المتنوعة- في التعبير الفني، واللغة واللباس- مع توفير اللبنات الأساسية لتجربة مشتركة، في القانون والدين المدني والطقوس السياسية. إلا أنه مع حلول الوقت الذي انتهت فيه الحروب الأهلية من روما في عهد قيصر،عُرف بأن المستشار الشاب والسفير الثقافي المهموم (مايسيناس) قد حذر الإمبراطور الأول لروما (أغسطس ) من أن سفينة الدولة ' المأهولة بطاقم من كل عرق' تخاطر بأن تصبح ' مغمورة بالمياه ' والذي بدا أنه يعترف حتى مع كل تنوعه المتبجح، إلا أن المجتمع الروماني سيكافح من أجل التماسك من دون توضيح بعض المبادئ أو القيم المشتركة على الأقل.
أصبحت الإمبراطورية الرومانية العظمى مؤيدة للمساواة في المواطنة، حتى قبل وفاة القيصر في العام ٤٤ قبل الميلاد ومؤيدة أيضًا لتحفظات (مياكيناس) حول عودة الملكية في النظام السياسي في عصر (أوغسطين الجديد)، اكتشف الرومان استراتيجية لبناء مجتمع مدني فعّال من سكانها المختلفين بعرض حقوق المواطنة عليهم. مع أن ٤٠٠٠ جنديًا رومانيًا في مستعمرة كارتيا الإيبيرية تزوجوا من نساء محليات وعندهم عائلات، إلا أنهم كانوا أنفسهم محرومين من حقوق الرومان الذين يعيشون في روما، فقدم الرجال التماسًا إلى مجلس الشيوخ، الذي وافق على منحهم مكانة تشريعية خاصة 'الحقوق اللاتينية' أطلق عليها مسمى مجلس الشيوخ، ومنح الرجال في إسبانيا مكانًا معتدلًا في المجتمع السياسي الروماني.
في وقت مبكر من الإمبراطورية عام ٤٨ م عزم حفيد (أغسطس) المدعو (كلاوديوس)، والمولود في بلاد الغال،على تمديد الجنسية إلى ما وراء إيطاليا بما في ذلك بلاد الغال، فأخبر مجلس الشيوخ عن وجود رجال موهوبين وراء جبال الألب في مناطق مثل غاليا ناربوننسيس وغاليا كوماتا، يمكنهم أن يصبحوا مستشارين وموظفين مدنيين جيدين. فوافق مجلس الشيوخ الروماني على ذلك بحلول القرن الثاني- عصر القوة الإقليمية الأعظم في روما وتأثيرها الثقافي الذي لا مثيل له- كل من المواطنين، الأهم من ذلك أن، الأباطرة جاءوا باستمرار من أصول إقليمية تتجاوز التلال السبعة لنهر التايبر.
استمرت روما في دمج العديد من الأعراق داخل المجتمع المدني الفعّال بالتوطين إلى أكثر من ثلاثة أجيال على الأقل بهذه الطريقة المجزأة. بعد ذلك في عام ٢١٢ م منح الإمبراطور (كاراكالا) لكل شخص حُر الحقوق القانونية "رعاية المواطنة ذاتها" فكان هذا التغير نقطة تحول لتصبح روما القديمة امبراطورية متعددة الثقافات، وتتمتع بحق المواطنة المتساوي أمام القانون، بغض النظر عن الأصل العرقي.
اعتاد العلماء من العالم القديم عادةً التوقف عن مناقشة تاريخ المواطنة في هذا التوقيت من قصة روما، كما لو أن منحة (كاراكالا) العالمية إلى شعوب البحر الأبيض المتوسط الأحرار أصبحت تمثل ذروة التطور الاجتماعي والقانوني للعصور القديمة الكلاسيكية. لنستمع للمؤرخ باتريك غيري يقول في كتابه الشهير: أسطورة الأمم (٢٠٠٢)، بمجرد أن قدم الأباطرة حقوق المواطنة للجميع، فإن "التمييز" بين من عاش خارج الإمبراطورية ومن عاش في الداخل صار "بلا معنى".
منذ عقود ظهرت نسخة من هذا الادعاء المشبوه في الدراسات الأكاديمية، مما يشير خطأً إلى أنه مع وصول الإمبراطورية اللاحقة حل السياسيون مرة واحدة وإلى الأبد مشاكل دمج الأعراق المختلفة في الدولة الرومانية، لكن في الواقع ما حصل في عام ٢١٢م أدى إلى ظهور مشاكل جديدة.
وسيعيش هؤلاء الأجانب الذين عبروا الحدود واختاروا الاستقرار لأنفسهم أو لعائلاتهم في الأراضي الرومانية علة أنهم مواطنين درجة ثانية. كما يمكن أن يُباعوا إلى سوق العبيد لمجرد رغبة عابرة، ولا يحق لهم تقديم شكاوى أمام قاضٍ روماني، ويفتقرون إلى حماية الملكية التي شُكلت بوصايا معترف بها قانونيًا. من الجدير بالذكر أيضًا أنه حتى مع إدراكهم لهذه المظالم، مازال أولئك الذين جاءوا بحثًا عن فرصة أكبر أو تركوا أوطانهم قسرًا- ككثير منهم- يجدون طرقًا مبتكرة للتنقل في النظام القانوني المكون من مستويين في روما.
لم يكن الأمر قبل إضفاء الطابع الديموقراطي على الجنسية الرومانية في ٢١٢ م ولا حتى التعرف على المجموعة العرقية أو العيش في مدينة عالمية بجانب أشخاص من أعراق أخرى سهلًا. جمعت اللغة المشتركة مثل اللاتينية أواليونانية المواطنين وغيرالمواطنين معًا، كما فعلت رزنامة تقويم العطلات والألعاب العامية التي عززت من الكبرياء المدني، لكن حتى مع هذه الجهود لتشكيل مجتمع مدني مايزال هناك تحديات كثيرة يواجهها المجتمع .
عندما يصبح النصر مستحيلًا، تحل جدران الطوب بديلًا له
أعرب الرومان من ذوي الأصول التقليدية عن استيائهم من وصول هذا العالم الملون- مثل بهارات الشرق الأقصى، الأزياء الاستثنائية واللغات المشوهة -واستخفوا به ووصفوه بأنه لا يقل عن التلوث البيئي. قال (جوفينال) الأديب الساخر في القرن الأول ميلادي 'لماذا تلوث أنهار سوريا نهر التايبر ؟' مع أن الكثير من جمهوره ضحك على ذلك، ولكن قليل من شاركوه هذا العداء. ازداد هذا الوضع سوءًا بعد قرن لاحق، عندما تمكن الروماني من القدوم إلى أي المقاطعات البعيدة والخلفيات الثقافية أو اللغوية للإمبراطورية.
وقد وقف التعصب الأعمى والتفوق الثقافي أمام دفع الرومان إلى بناء مجتمع متعدد الأعراق. في العام ٢٣٥ م ، وبعد مرور عقدين من الزمان على مرسوم المواطنة للإمبراطور (كاركالا)، وتتويج أول إمبراطور نصفه آلن ونصفه الآخر قوطي (مكسيمنيوس) من عند حدود تراقيا الشمالية، والذي أُسكِت بشدة في مجلس الشيوخ؛ لأنه 'المسخ' (هوميروس) من رحلات (أوديسيوس). يتساوى البشر من الرجال والنساء من أعراق استثنائية غالبًا مع حيوانات البرية. وبحلول القرن الثالث ميلادي تميزت الآثار العامة بانتظام الأباطرة المتفاخرين بسلسلة من الألقاب العرقية بعد اسمائهم- بارثيكوس "قاهر البارثيين" وداكييوس "قاهر الداكيبوس" وجوثيكوس "قاهر القوط"- تُوضع كل صفة بعد اسم الإمبراطور بالطريقة التي يرتب بها الرياضيون جوائزهم.
ومع بداية القرن الرابع، كان التوسع في الاستعمار يعني غزو تلك القبائل العرقية، وعندما يستحيل النصر وتكون علامة الإقصاء الواضحة هي صعوبة تسلق جدران الطوب يصبح البديل المتاح مقبولًا. كانت روما القديمة في طريقها إلى إغلاق أبوابها.
كم هي مأساة أن تاريخ العديد من عشرات المئات من هذه الشعوب القديمة قد ضاع، حيث لم يعد أي من هذه الأعراق مثل، السويفيس أو الفاندال أو الجالاتيون أوالأنباط، كما يبدو أن بعض القدامى تخلوا عن الكثير في سبيل محاولاتهم التأقلم. ووصف العلماء نوعية الاختفاء هذه بإنها مرنة جدًا لدرجة الهشاشة وأسموها "تحلل" الأعراق.
حتى الآن مازلنا نعاني من مشكلة قبول الناس لمن هم من أعراقٍ مختلفة، على نقيض ما كان يأمل بعض الرومان. وحسب ما قدره العلماء كان هناك ما يقارب المليون واثنان مليون أجنبي، (البريغيرين) الأجانب تمامًا، كل منهم من خلفية عرقية مختلفة، يعيشون داخل حدود العالم الروماني، في القرن الرابع الميلادي عانى الكثير منهم من المعاملة الفظيعة من دون أي ذنب اقترفوه ببساطة بسبب التحيز. لاحظ أحد الكتاب في القرن الرابع أن المقامرين في المضمار حين يتحسرون على خسارة مكاسبهم، سينفجرون غضبًا في وجه الأجانب في حنق غير مبرر له. كما قال أحد الأساقفة أن كل عائلة رومانية تقريبًا عندها عبد قوطي.
واستمر قدوم (البريغيرين) متعددي الأعراق واضحًا مثل، الطهاة والتجار والجنود: الفاندال، والقوط والالأنس والأماني وأكثر. فقبل سقوط الإمبراطورية الغربية بقرن، كانت سفينة الدولة في روما بعيدة كل البعد عن السفينة 'المشبعة بالمياه' التي كان يخشى مستشار الإمبراطور الأول أن تؤول إليها روما. ماتزال الصورة المثالية الراسخة عن روما على أنها منبع للفرص كما أنها عالمية تجذب الناس إلى مدنها- وفقًا لإحدى طرق الحساب قد يكون المعدل 0.5 في المائة لكل جيل. 'يمكنني الآن فهم ماسمعته في كثير من الأحيان وكنت مكذبًا له'، كما ذكر طاهي من قبيلة قوطية في عام ٣٨٠ م خلال زيارة رسمية للعاصمة الشرقية المتنامية في القسطنطينية، أنه كان هناك مئات الآلاف من الناس يتدفقون معًا في اسواقها وشوارعها 'مثل فيضان المياه الذي ينهمر من مناطق مختلفة'.
لن يتمكن الأجانب في روما من الوصول إلى ما كان يُعرف سابقًا بالمعبر أو "الطريق" للحصول على الجنسية
لن يكسب أي من أولئك الواصلين حديثًا حقوق المواطنة؛ وذلك لأنه ببساطة 'بلا إثبات' قد أوضح ذلك المؤرخ رالف ماثيسن 'بخصوص أي (أجنبي) حصل رسميًا على الجنسية الرومانية بعد عام ٢١٢'. ستبقى هذه الحقوق حكرًا على الأشخاص الذين عاشوا في حدود الإمبراطورية مثلما أُصدِر هذا المرسوم في عهد (كاراكالا). كانت الآثار المترتبة على رومانيا لعدم استعدادها لعلاج هذه المشكلة تنذر عامًا بعد الأخر، بأوقات صعبة قدمًا.
في ظل غياب أي قيادة سياسية- الإمبراطور الجديد (كلوديس) أو (كاراكالا)، على سبيل المثال: -لن يستطيع الأجانب في روما الحصول على ما فهمته الأجيال السابقة على أنه معبر أو واسطة ، ' الطريق' إلى المواطنة. توقع الجميع من أعضاء المجالس البلدية الذين هم ضدّ الأجانب حتى من بائعي الخضراوات المتعصبين والمشرفين أو رجال الدين من الأجانب تغيير لباسهم العرقي والتحدث باللغات الكلاسيكية في الأماكن العامة عن هوياتهم العرقية، إذا أرادوا الحصول على القبول- والمتطلبات السلوكية التي كانت ستبدو في أوائل القرن الخامس غير معقولة وغير واقعية للغاية كما هي تمييزية بشكل واضح اليوم. بحلول عام ٤١٠ م الدخيل القوطي المسمى (ألريك) فعل ما يكفي. ستتعرض مدينة روما لأول مرة منذ ثمانية قرون، لهجوم بلا رحمة.
هل كان عند الرومان الأدوات الفكرية للشرح، والتوضيح وعلاج التحديات والفرص التي طرحتها العرقية لمجتمعهم؟ في اللغات القديمة، شكّل الأجانب ما يسميه الكتاب الرومان دول، عشائر أو مدن، يمكن أن تختلف الترجمات الحديثة: 'الدول'، 'الشعب'، 'المجتمعات'. لكن معظم الأفكار كانت متغيرات لكلمة يونانية احتياطية قديمة موثوقة 'عرقية'، 'عرق' كما نود أن نسميها، كانت حقيقة دائمة الوجود في حياة البحر الأبيض المتوسط القديمة، أن بعض المسيحين خلال قتالهم لأجل الدمج متظاهرين انهم كذلك، عليهم أيضًا تشكيل مجموعتهم العرقية الخاصة بهم، إذا كان بإمكانها أن تقدم لهم مكانة اجتماعية أكبر. مع ذلك فإن الفهم الحديث لماهية الأصل العرقي، وكيف يعمل يبدو بعيدًا كل البعد عن الأطر الفكرية للعالم الكلاسيكي مما يسهل علينا فهم سبب معاناة الرومان معه.
عند الكتاب المعاصرين مجموعة كاملة من المصطلحات التي تصف العرقية، مع الإجماع على أن الأعراق عندما تكون نشطة تفهم بصورة أفضل.على مر الزمان تميزت أشكال الأعراق في كل الدراسات، يمكنك أن تجد أن الأعراق تتميز بأشكال مختلفة منها أنها، 'مراوغة' أو 'متنازع عليها' أو'مبنية'، أو'مركبة'. ويمكن 'عرضها'، 'وتأديتها'، 'وتعبئتها'، 'وتجسيدها' 'والتلاعب بها' حتى تبديلها من التشغيل أو الإيقاف إذا سمح الوضع. فقد رُسّخت الكثير من هذه النقاشات لأجيال. منذ حين ظهر كتاب العالم بعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) فردريك بارث المجموعات العرقية والحدود (١٩٦٩) الذي يُعرف الأعراق كظاهرة اجتماعية، عندما ينشأ في المقام الأول عند حدود الانتماء، الافتراض بأن العرق يكمن في أي شخص أومجموعة واحدة قد فقد مصداقيته على مستوى العالم تقريباً. يوجد جانب من الأصل العرقي ' نشط'، 'متعدد الأوجه '، وحتى 'متقلب'، والذي كما هو معترف به على نطاق واسع اليوم مثلما هوغائب في العالم تقريباً من أعمال الكتاب الكلاسيكيين والذين فضلوا المفاهيم الجامدة من الهوية والقصص الأصلية الواضحة، ووضع حدود على الأسطوري والخيالي لم يعد ُيفترض بأن الأصول العرقية للناس، كما فعل الكتاب القدامى 'بدائية'.
وعلى أية حال، ليس مستغربًا أن الكتاب الكلاسيكيين نادرًا ما تجرأوا دخول هذا العمق من التحليل الحديث. المفاهيم المعاصرة مثل 'تهجين اللغة' أو 'البنية الفكرية التعبيرية' أو تحليلات تفاعل الثقافات على أساس نظرية 'الأرضية المشتركة' الرائدة في دراسات الشعوب الأصلية المستعمرة في أمريكا الشمالية، كانت متفوقة على الأطر المفاهيمية القديمة للرومان. يميل القدامى إلى الملاحظات البسيطة، والقوالب النمطية الإجمالية ولأغراض خيرية مشتركة بين الحين والآخر. طالب قيصر بتقسيم بلاد الغال إلى ثلاث أجزاء كان على أساس معرفته بالثلاث مجموعات العرقية-البلجيكيين والأكوتين والكلتيين الذي سكنوا ضمن حدوده. كان العالم خارج الإمبراطورية غريبًا تمامًا هذا ما قاله المحامي أبوليوس، حيث كان مليئًا بأشخاص كانوا رائعين حقًا لغبائهم وذكائهم، وأوضح أن المجموعات المختلفة 'أنتجت أشخاصًا بمواهب مختلفة.'
تصف القطع الأثرية المحلية الاختلافات في الشكل والاسلوب بدقة
كمواد خام للكتابة عن أعراق روما القديمة، قد لا تأخذنا هذه المصادر المكتوبة بعيدًا باعتراف الجميع. بالنظر إلى الطبيعة غيرالمتوازنة للأدلة من العالم القديم بشكل عام، من النصب التذكارية الراقية، الأضرحة الغنية والعروض الأدبية الكبيرة، نادرًا ما تتحدث الأعراق في روما عن نفسها، على أن اكتشاف حتى أكثر القطع الدنيوية يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة في بعض الأحيان.
الأحزمة والخواتم وشفرات الحلاقة، والأمشاط، والقدور والاكواب، والصحون، أيضًا الأسوار ودبابيس الشعر، حتى مقصات الأظافر أو المنظفات كل المتاع الشخصية التي ربما تضيف للإنسان دلالة للتعبير عن ثقافته الخاصة، قد لا تكون مع قصة شخصية أو اسم لكن بالنسبة لعلماء الآثار و المؤرخين فقد أصبحت أمثلة رائعة للأعراق. بروش بمظهر مميز على الحدود الشمالية لإمبراطورية بانونيا، عنده فرصة متساوية في أن يكون قطعة من مجوهرات بانونيا العرقية لأنها تعبر عن الأجنبي المنتقل الذي اختار الموضات الرائجة في بيئته الجديدة. وفي حين أن الحدود غير المكتشفة ربما كانت تبدو للرومان كإقليم غير واضح للقبائل المعادية الثائرة، فمن خلال التوضيح الدقيق للاختلافات في الأسلوب والشكل، فإن المصنوعات اليدوية المحلية -حلقة يدوية ومنظف أظافر، الذي استخدمه السكان الأصليون في شرق بريطانيا، قرص دائري و نحاسي-مشغول بالشبكة المفضل في غرب إنجلترا -يتحدث بصوت عالي، بطريقتهم الخاصة.
إذا كانت دراسة العرقية تهدف إلى عقد بيع لروما القديمة، فقد تكون نقطة البداية الجيدة هي الاعتراف، كما قالت المؤرخة لويز ريفيل في كتابها طرق أن تكون رومانيًا (٢٠١٥) 'أن الهوية العرقية للمجموعةتبنى بالارتباط بالمجموعات العرقية الأخرى'.
ولكن ما يزال المزيد من العمل لتجاوز توافق المفاهيم، والمألوف، وصيغة التحليلات الثقافية التي تنتج مستمرة ومنتطمة، والطابع السياسي كثيرًا ما يكون غير متوازن في كثير من الأحيان، والعلاقة مجحفة بين المجموعات العرقية المختلفة هي بحاجة لمزيد من التمحيص التاريخي.